Share Link:
من فضل الله تعالى علينا ورحمته أن جعل أيامنا اقوى من آلامنا؛ وجعل شعارانا فيها "الله اكبر" مثل ما جعلها دليل تغير حركاتنا في جميع صلواتنا؛ حتى يرفعنا بها على الأحداث؛ ويقوي من عزائمنا على الأيام ، فإن ولينا الذي يتولى الصالحين أكبر كبيرا (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص:70].
ومن هنا جاء التعقيب الآمر الجازم، مادام أن الله عزيز حكيم ف(انفروا) له ( خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) وبهذا صار الحديث عن الهجرة حديثا متحررا من المناسبة، ومتحررا من العنونة، ومتحررا من المكان. لقد صار حديث كل حادثة، وسلوى كل نازلة، وبرنامج العلاج لكل علة.
وها هو عيد الهجرة يهتف بنا وينادي علينا ويصبح على المبعثرين من الضالين والشاردين، أن هلموا إلى معالمكم بعيدا عن تصنيم المناصب وتأليه المتصدرين، هلموا إلى معالكم فانتهوا إليها قبل أن تتفانوا بعد أن أحاطت بكم الرجفات، ونالت منكم السياسات ؛ونزلت بكم النوازل التي بعثتها دوافع الاستئثار، ونوازع الاحتكار، على أشنع ما تكون، وأقبح ماكان، (يُحَرِّفُونَ ) فيها ( الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ) [المائدة: 13]، والأجيال تتفانى على ذلك كما تتفانى الأسود وتبقى الفريسة - المناصب والألقاب التي رخصت بالسفهاء-
وكلهم يدعي وصلا بليلى
*** وليلى لاتقر لهم بذاك
إذا اشتبكت دموع بالخدود
*** تبين من بكى ممن تباكى
الكل على اختلاف مشاربهم وللأسف الأسيف لايبرح سياسة معدته التي لا تعرف القناعة، ولا يقبل العدالة في الحكم إذا جاءته من غير طائفته، ولا يحسم معه الخلاف إلا القوة المستأسدة والمراوغة المتثعلبة، والأجيال على ذلك تتفانى حيث تضرب على غير هدى، فداءا لأصنام كانوا عبيد طمع ولكن (لايشعرون).
إن هذا الأتون الذي أحاط بنا وتلك النيران التي تلفح وجهنا وتشويه بنيران الأحقاد أبشارنا وأفئدتنا قد جندت كل قوة ظاهرة وباطنة، جندت العلم والأدب والصحافة والإعلام والجيوش والأفكار والمجالس والألقاب فلم تدع أحدا يفكر إلا فيها، ولا ينشغل إلا بها ولا يعمل إلا لها ولا أيام إلا منها، حتى صار ذلك كله هو المحرك لآلة العيش، هذا العيش الذي هو أرخص المطالب في أسواق الكرامة :
ولو إنما أسعى لأدنى معيشة
كفاني*** ولم أطلب قليل من المال
ولكنني أسعى لمجد مؤثل***
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
والحمد لله الذي جعل مجدنا في كتابنا ( لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [ الأنبياء: 10]، فليس لنا إلا أن نفر إلى الله (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) [الذريات: 50].
صدر عن جبهة علماء الأزهر
صبيحة غرة المحرم 1439 هجرية الموافق 21 سبتمبر 2017م. |